تخرج زيارات رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري المتكررة إلى روسيا عن إطار رغبته في إعادة تأكيد قدرته على التواصل مع العديد من الجهات الإقليمية والدولية، خصوصاً أنه في موسكو تفتح له الأبواب للإجتماع مع كبار المسؤولين، ولكن اللافت أن الزيارة الأخيرة جاءت تلبية لدعوة من رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، بحسب ما أعلن الحريري نفسه، الأمر الذي يدفع إلى السؤال عن الأسباب التي تدفع الجانب الروسي لتوجيه دعوة شبه رسمية لرئيس حكومة مكلّف؟.
بعيداً عن الإشكالية البروتوكولية، فإن ما ينبغي التأكيد عليه هو أن روسيا باتت، في المرحلة الراهنة، واحدة من مفاتيح الحل على مستوى المنطقة، خصوصاً من خلال تواجدها القوي في الساحة السورية، وهذا ما يعطيها القدرة على لعب أدوار مختلفة في ملفات أخرى، منها الملف اللبناني، بسبب قدرتها على التفاوض مع الجانب السعودي، وربما التعويض عليه في أماكن أخرى مقابل أي تنازل يقدمه، على عكس ما هو الحال بالنسبة إلى فرنسا.
بالإضافة إلى ذلك، تشير أوساط سياسية متابعة عبر "النشرة" إلى أن أي رئيس حكومة في لبنان بحاجة إلى أفضل العلاقات مع موسكو، نظراً إلى أن هناك ملفات لبنانية بالغة الأهمية لا يمكن أن تعالج من دون تدخل منها، أبرزها ملف النازحين السوريين، الذي من المتوقع أن يعود إلى الأضواء في الفترة المقبلة، بالإضافة إلى ملف ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، بعد الصراع الذي كان قد بدأ بالظهور مؤخراً.
وتكشف المصادر أن ملف الحدود البحرية مع سوريا يتفاعل، وسط محاولات لمنع التواصل المباشر بين البلدين، يقودها الفريق المعادي لسوريا، مشيرة إلى أن الحريري سيطرح مع المسؤولين الروس مسألة الحدود، خاصة وأن الشركات الروسية هي التي تعمل على خط التنقيب، ولكنه سيسمع جواباً واضحاً بأن مسألة الحدود تخص البلدين، أي لبنان وسوريا، بشكل مباشر، ولا يمكن حلّها عبر وسيط كما هو الحال بالجنوب مع اسرائيل.
وتضيف المصادر: "تسبّب فريق لبناني على مرّ السنوات السابقة بخسارة لبنان لمليارات الدولارات جرّاء ملف النزوح، ورفضه التواصل المباشر مع سوريا لأجل تأمين عودتهم، وها هو اليوم يكرّر الخطيئة عبر رفض التفاوض المباشر حول الحدود، ما قد يؤدي لضياع حق لبنان بالغاز"، مشدّدة على أن مقاربة ملفّ الحدود ستكون مختلفة، ولن يتم البحث عن توافق وإجماع لبناني.
أمس، زار السفير السوري علي عبد الكريم علي وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال شربل وهبة، وتمحور اللقاء بحسب المصادر حول ملفّ النازحين، ومسألة ترسيم الحدود البحرية، وتم الإتفاق على تفعيل التواصل في الملف الثاني، بظل رغبة لبنانية رسمية باللقاء مع الجانب السوري للبحث في الملفات العالقة، مشددة على أن هذه الخطوة بحال حصلت ستشكّل خطوة نوعيّة تمهّد لحل الكثير من المشكلات.
إذاً، لم يعد بالإمكان التفريط بالحقوق لأجل أهواء البعض السياسية، وما كان يسري منذ أعوام لن يسري اليوم، وبات لزاماً التفاوض مع سوريا بشكل مباشر وبكلّ الملفات خاصّة أن لبنان يكاد يكون البلد العربي الوحيد الذي لم يفعل ذلك حتى اليوم.